الدكتور محمــد
حســن الســمان
ولدت في دمشق
في حي قديم في احد
البيوت الدمشقية القديمة
الجميلة , وكنت آخر
من خرج من هذه العائلة
القديمة من الحي القديم
,وقد قلت في هذا الحي
يوما:
في حينا
مازال
خبز الصاج
واللحم
القديد
ومرؤة
العربي
والثارات
من امس
البعيد
وانا تضوع
من دمي
تشتم
رائحة
الصديد
من عتقه
قد كان
يجري
قبل
في عبد
الحميد
فمعظم افراد
هذه العائلة قد خرجوا
من هذا الحي منذ اكثر من
مائة عام والبعض الآخر
القليل غادر الحي منذ
عشرات السنين ليتوزعوا
في مناطق اخرى من دمشق
, بعضهم في الاحياء القديمة الاخرى ولكن اغلبهم
توزعوا في الاحياء الحديثة.
عندما
اتذكر ايام طفولتي المبكرة
في البيت القديم اكاد
ارى واسمع واشتم الماضي
: اشتم رائحة الياسمين
ورائحة زهر النارنج
الرائعة في ساعات الصباح
الاولى او خلال الليل
, مازالت امامي صورة شجرة
النارنج التي كانت
وكأنها المزار لنا وللجيران
توفر الظل والفيء صيف
شتاء ونقطف اوراقها الخضراء
العطرية.
- من المعروف
ان سكان دمشق القديمة
كانوا يضيفون بعض اوراق
النارنج العطرية عند
تحضير اكلة الرز بالحليب
حيث توضع الاوراق بعد
غسلها مع الرز بالحليب
ليأخذ نكهة متميزة لايساويها
اي نكهة عطرية في الدنيا
- اما ثمار شجرة
النارنج والى جوارها
شجرة الكباد كانت
تستخدم في صناعة مربى
النارنج ومربى الكباد*
- كان لايخلو
بيت من بيوت دمشق القديمة
من شجرة نارنج , فزهرها
يوفر عبق عطر رائع للبيت
وخاصة خلال الامسيات
او ساعات الصباح الاولى
عند شرب قهوة الصباح . واوراقها
الخضراء الزمردية الدائمة
عدا عن كونها توفر الظل
والفيء لباحة البيت كانت
تستخدم في تنكيه اكلة
الرز بالحليب , اما الثمرة
فكانت تستخدم في صناعة
الحلويات والمربى .
بينما
كانت اوراق العريشة
من الخميسة الدمشقية توفر الظل والجمال للطرف
المقابل من البيت جانب
المربع الصدراني( المربع
او المخدع تعني الغرفة
الكبيرة في الدور الارضي
في بيوت دمشق القديمة
وقد انقرض هذا الاسم على
مايبدو) وان نسيت
لايمكن ان انسى عرائش
الكرمة الثلاث التي كانت
تتسامى من الاحواض المحيطة
في باحة البيت لتتعملق
متسلقة على جدران البيت
نحو الغرف العلوية للمنزل
( الفرنكات والفرنكة اسم
قديم للغرف العلوية في
البيت الدمشقي) وكانت
عرائش الكرمة الثلاث
توفر باوراقها واغصانها
الظل والفيء الساحر في
مشارق البيت ( المشرقة
اسم قديم للمساحات امام
الغرف العلوية ) وكانت
العرائش قد وزعت على
هياكل خشبية لتوفر جلسات
جميلة رائعة ,غريب امر
هذه الكرمات كم كانت عملاقة
ومعمرة وانا ارى اليوم
اشجار الكرمة وكانها
اقزام صغيرة بالمقارنة
معها .
واعود
الى باحة البيت إذ لايمكن
ان انسى اصص ( شقف النبات
او الزريعة كما كانت تسمى
قديما) المليئة بنباتات
الورق الاخضر الشهير
(نبات زينة له اوراق كبيرة
خضراء زمردية وهو مشهور
في بيوت دمشق القديمة)
تلف حول الديار (باحة البيت كما كانت تسمى قديما) في صفوف متعددة , ما اجمل
تلك الشقف وما اجمل تلك
الاوراق الخضراء .
مازلت ارى
البحرة الرخامية في
وسط الديار (باحة البيت)
وارى نافورة المياه المتدفقة
في وسط البحرة والمياه
التي تترقرق منسابة على
جوانبها الرخامية ,
كانت مياهها عذبة باردة
من مياه عين الفيجة التي
تغذي دمشق و كانت العادة
السائدة آنذاك ان كل بيت في دمشق يشتري نصف متر
او ربع متر من ماء الفيجة
وقد نجح والدي بان رتب
للمنزل 5 امتار من ماء الفيجة دون توقف وبالتالي كانت
مياه البيت وكأنها نبع
ماء متدفق دون انقطاع
.مازلت اذكر الجيران
وهم يدخلون البيت لاخذ
بعض الماء العذب من البحرة
واكاد المح وجه والدتي
الطيبة رحمها الله وهي
تنظر الى الجيران وهم
يملؤون اوعيتهم بالماء
ويرشقون الماء حولهم
ويوسخون لها ارض الديار
الرخامية المرمرية التي
لاتنفك تشطفها كل ما دخل
هؤلاء او خرجوا , ما زلت
اذكر ملامح الطيبة على
وجه والدتي وهي ترحب بالناس
وهم ينغصون عليها هدوء
المنزل ونظافة الديار
والغريب انني لم اسمعها
تتذمر ولم ارها تمتعض
, كانت امرأة طيبة كريمة
وربما كانت هذه تعليمات
والدي في استقبال الجيران
مهما كانوا وفي اي وقت
يفدون ومهما كانت
اعمارهم لان والدي
كان يعتبر مياه الشرب
العذبة التي ينعم بها
منزلنا دون غيره من البيوت
المجاورة في الحارة في
تلك الفترة, بمثابة السبيل
الوقف يحق للجميع استخدامه
دون حدود او قيود , رحمه
الله هذا الانسان الذي
اقام سبيل ماء عذب في منزله
لكل من يملك ولايملك
, لم تكن والدتي تتعب
من فتح باب المنزل ابدا
لان باب البيت كان مفتوحا
ومشرعا ليل نهار وقلما
يغلق لان بابه يؤدي
الى ماء الشرب العذب (السبيل
للجميع) لينهلوا منه فكيف
يغلق؟ وايضا كان الباب
يؤدي الى البراني (المضافة, او الديوانية) لذلك
لايمكن اغلاق الباب الخارجي
, وبالمناسبة اذكر
هنا ان باب المنزل لم يغلق
عبر سنين ,حتى بعد وفاة
والدي رحمه الله و رغم
ان البراني قد توقف عن
استقطاب الناس لفترة
طويلة فقد بقي الكثير
من الجيران رغم وصول مياه
الفيجة و تمديدات مياه
الشرب العذبةالى بيوتهم
فقد استمروا يفدون الى
بيتنا ليأخذوا الماء
البارد العذب من بحرة
المنزل فمياهها متدفقة
باستمرار, كم كانت مياه
مغرية للشرب .
وعلى
ذكر البراني اذكر عندما
صرت في بداية العشرينات
من عمري رجعت وفتحت البراني
( المضافة) ليستقطب الناس
من جديد ,وكان اخي الاكبر
قد غادر دمشق تلك الفترة
ليقيم في بيروت , وطبعا
صار البراني في زمني ديوانية
للسهر والسمر وقضاء الوقت
واتذكر هنا انني عددت
في فترة ما عدد العاطلين
عن العمل في البراني فكانوا
اكثر من 18 شخصا من الرواد
المثابرين على البراني
,و لم يعد البراني في زمني
مجلسا لحل مشاكل الناس
او منتدى اجتماعيا او
مجلس قضاء يفصل في قضايا
الناس كما كان زمن والدي
رحمه الله , ولم يغلق
البراني حتى تركت البيت
القديم وكنت بذلك آخر
من غادر الحي من العائلة
.
* تحضير مربى
النارنج أومربى الكباد
( على طريقة اهل
الشام)
- ثمرة النارنج: نوع من انواع الحمضيات
و تشبه الى حد كبير ثمرة
البرتقال لكنها أصغر
حجما ولها قشرة خشنة عطرية
ذات لون برتقالي محمر(يسمونه
اللون النارنجي) ويوجد
بين القشرة الخارجية
الحمراء النارنجية ولب
الثمرة الحمضي داخلها
طبقة سميكة جدا من الكيتين
ابيض اللون.
-ثمرة الكباد: نوع من انواع
الحمضيات و تشبه الى حد
كبير ثمرة البوملي فهي
اكبر من ثمرة البرتقال
ولها قشرة خشنة جدا
جدا ولها غالبا لون اصفر
مميز بها . ويوجد طبعا بين القشرة الخارجية
الصفراء الخشنة جدا وبين
لب الثمرة الحمضي طبقة
سميكة جدا جدا من الكيتين
ابيض اللون.
طريقة التحضير
يتم تقشير النارنج
للتخلص من القشرة السطحية
الحمراء النارنجية او
التخلص من القشرة الخارجية
الخشنة السطحية الصفراء
من الكباد , ثم يتم نزع اللب
الحامضي الداخلي للثمرة
للحصول على قطع كبيرة
من طبقة الكيتين البيضاء
السميكة ما امكن ذلك مع
التأكد من عدم وجود اي
آثار من القشور الخارجية
مرة الطعم, ثم تقطع طبقة
الكيتين الى شرائح متوسطة
الحجم . تنقع الشرئح الكيتينية
في الماء لمدة 24 ساعة مع
تغيير الماء من فترة الى
اخرى , ثم تغلى في الماء
لفترة تختلف حسب نوع المربى
المراد تحضيره , مربى على
شكل معجون(مرملاد) او على
شكل شرائح , ثم تخرج من الماء
وتعصر كل قطعة لوحدها
باستخدام الكفين بوجود
قطعة من نسيج الشاش الناعم
للتخلص من اي اثر للطعم
المر , وفي نفس الوقت يتم
تحضير محلول سكري مغلي
يضاف له اما قليل من الجلوكوز
او رشة من حامض الليمون
الطبيعي او الصناعي للحصول
على شراب متوسط الكثافة
مع احترام عدم احتراق
السكر اثناء التسخين
, ثم توصع شرائح النارنج
او الكباد في المحلول
السكري المغلي ويتابع
غليها الى ان تصبح ذات
لون ذهبي شفاف حيث يوقف
التسخين فان كان المطلوب
الحصول على مربى مع المحلول
السكري يتم نقل المربى
مع المحلول الى مرطبان
زجاجي معقم , اما اذا اريد
الحصول على مربى على شكل
شرائح , فيتم اخراج الشرائح
من المحلول السكري وتوضع
في طبق يحوي بلورات من
السكر الخشن حيث يمكن
تغطية الشرائح ببلورات
السكر الخشن , كما يمكن
لف كل شريحة على حدة ويوضع
داخل اللفافة بعض الفستق
الحلبي او الجوز , واحيانا
يوضع مبشور جوز الهند
معها , ثم تربط اللفافة
بخيط نظيف حتى تبقى محافظة
على شكلها وخلال عدة
ايام تجف اللفائف نوعا
ما فيتم نزع الخيوط لتقديم
اللفائف للضيافة.